
يقول علماء الفلك في الهند إن اكتشافهم لمجرة ضخمة تعود إلى الفترة التي كان عمر الكون فيها 1.5 مليار سنة فقط، يُشكك في فهمنا لكيفية تشكل المجرات في الفترة المُبكرة التي تلت الإنفجار العظيم (بدايات تكوين كوننا الحالي)
ببساطة، إذا كان عمر الكون 13.8 مليار سنة، فهذا يعني أننا نشاهد مجرة من 12 مليار سنة مَضت، عندما كان عمر الكون عُشر عمره الحالي فقط.
يقول العلماء، إن المجرات التي تَشكلت في وقت مُبكر جدًا وُجدَ أنها كانت في الغالب غير مُنتظمة الشكل ومتناثرة
ولكن عندما استخدم الباحثين (راشي جين يوغيش وداديكار) تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) للنظر الى الماضي المُبكر للكون، رصدا “مَجرة حلزونية مُكتملة التكوين – دوامة كونية ضخمة وجميلة البنية”.
نُشر بَحثهما في مجلة علم الفلك والفيزياء الفلكية، وهي مجلة أوروبية رائدة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2025
قال البروفيسور وداديكار:
“تبدو المجرة مشابهةً بشكلٍ ملحوظٍ لمجرتنا درب التبانة، على الرغم من وجودها عندما كان عمر الكون 10% فقط من عمره الحالي”
أطلقوا عليها اسم ألاكناندا تيمنًا بنهرٍ في جبال الهيمالايا في أسيا
رصدت السيدة جين، باحثة، لنيل شهادة الدكتوراه في المركز الوطني للفيزياء الفلكية الراديوية التابع لمعهد تاتا -الهندي، للأبحاث الأساسية (NCRA-TIFR) في بوني، المَجرة في وقتٍ سابق من هذا العام.
تقول السيدة جين إنها كانت “مُتحمسة للغاية” عندما رصدت المجرة أثناء دراستها المُعمّقة للبيانات والصور من تلسكوب جيمس ويب، الذي بلغت تكلفته 10 مليارات دولار، والذي أطلقته وكالات الفضاء الأمريكية والأوروبية والكندية عام 2021 بشكلٍ مُشترك
وتقول السيدة جين:
“كنتُ أُمعن النظر في تفاصيل 70,000 جسم في الكون، ولم يكن هناك سوى مجرة حلزونية ضخمة التصميم، يبلغ قطرها حوالي 30,000 سنة ضوئية”.
ببساطة، يعني ذلك أن المَجرة كانت لها ذراعان متماثلان ينبثقان من قرصٍ في المركز، يلفان حول إنتفاخ مركزي ساطع
كما قالت:
“تمكنا من رؤية نمط خرز على خيطٍ، كالمعتاد، والذي يشبه عناقيد النجوم على طول الأذرع الحلزونية، وهو مشابه لما نراه في المجرات الحلزونية القريبة اليوم.”
عندما أخبرت مُشرفها، البروفيسور وداديكار، كان رد فعله الأول هو عدم التصديق، حيث قال لبي بي سي:
“إنه لأمر مدهش كيف يمكن لمجرة ضخمة كهذه ذات أذرع حلزونية أن توجد بعد 1.5 مليار سنة فقط من الإنفجار العظيم”.
وقال:
“اضطرت هذه المجرة إلى تجميع 10 مليارات كتلة شمسية من النجوم، وفي الوقت نفسه تشكيل قرص كبير ذي أذرع حلزونية في بضع مئات الملايين من السنين، وهذا سريع بشكل لا يُصدق وفقًا للمعايير الكونية.”
ووفقًا لوكالة ناسا، يوجد ما يُقدر بمئة مليار مجرة، وقد بدأ العديد منها في التشكل خلال ملايين السنين من الإنفجار العظيم.
لطالما أعتقد علماء الفلك أن الكون في ذلك الوقت – وهي فترة تُعرف بالفجر الكوني – كان شديد الفوضى، وأن المجرات كانت صغيرة ومنخفضة الكتلة
يقول البروفيسور وداديكار:
“لكن هذه المجرة مختلفة تمامًا، إنها ضخمة، ويعادل حجمها ثلث حجم مجرة درب التبانة، وتضم 10 مليارات نجم، و تُكوّن المجرة نجومًا جديدة بمعدل أسرع بنحو 20-30 مرة من معدل تكوين النجوم الحالي في مجرتنا درب التبانة”
منذ أن بدأ تلسكوب جيمس ويب عمله، اكتشف علماء الفلك مجرات أحدث وأبعد
في الصور التي نشرتها وكالة ناسا في السنوات الأولى، بدت العديد منها كبقع حمراء أو لطخة خافتة
لكن في السنوات الأخيرة، اكتشف تلسكوب جيمس ويب هياكل أكثر تطورًا، بما في ذلك المجرات الحلزونية – ويضيف اكتشاف المجرة الجديدة إلى تلك الأدلة المتزايدة على أن الكون المبكر كان أكثر إبداعًا
تقول السيدة جين:
“إن العثور على مجرة حلزونية مكتملة التكوين بهذا القدر من الزمن البعيد يُعد استثناءً نادرًا، لكن مثل هذه الاستثناءات تُشكِّل تحديًا لفهمنا للماضي المبكر للكون وكيفية تشكل المجرات وتطورها، وتُظهر هذه المجرة أن الكون كان أكثر نضجًا في بداياته، وأن هياكل متطورة كانت تُبنى في كوننا أبكر بكثير مما كنا نعتقد”.
مع ذلك، فإن المعلومات المتعلقة بالمجرة الجديدة تعود إلى 12 مليار سنة مضت – تقع المجرة على مسافة بعيدة من المكان الذي قطع فيه ضوؤها كل هذه السنوات ليصل إلينا
حيث تقول السيدة جين:
“يمكننا رؤية الماضي لأن الضوء وصل إلينا، فعمر المجرة كبير جدًا لدرجة أننا لا نستطيع رؤيتها من البداية إلى النهاية، لذلك نُجري دراسات إحصائية”.
يقول البروفيسور وداديكار:
“عندما يسألني الناس عن موقعها الحالي، أقول لهم: انتظروا ١٢ مليار سنة لنعرف أين هي الآن”.
في الوقت الحالي، يقول الباحثون إنهم سيتقدمون بطلب لإجراء عمليات رصد متابعة مع تلسكوب جيمس ويب أو مرصد ألما في تشيلي لفهم كيفية تمكن المجرة المُكتشفة حديثًا من تكوين أذرعها الحلزونية، لأن مفاتيح حاضرنا ومستقبلنا، كما يقولون، تكمن في الماضي.
المصدر: بي بي سي BBC






